مدينة الرياض
    

الاسلحة الخمسة للإعلامي الناجح

 

الأسلحة الخمسة للإعلامي الناجح

ليست قوة الإعلامي تتمثل فقط في إمكانياته الإعلامية، أو تمكّنه من الحديث، أو تملّكه أدوات من كاميرات احترافية أو منصات مميزة، ولا حتى عدد متابعين بالملايين، بل هو مزيج متكامل من خمسة عناصر لا غنى لأي إعلامي طامح عنها، تتجاوز الأدوات إلى الجوهر الحقيقي للمهنة: الإنسان وعلاقاته، حسّه الإعلامي ووعيه، اطلاعه ومعرفته، أدواته ومهاراته التقنية، ثم حضوره الطاغي وكاريزمته. تلك العناصر الخمسة هي التي تصنع من الإعلامي صوتًا لا يُنسى وصورة لا تُمحى، وتجعله في مقدمة من يصنعون الرأي ويؤثرون في الوعي.

أول هذه الأسلحة هو بناء العلاقات والتواصل الحقيقي مع الناس، وحضور الفعاليات والملتقيات الإعلامية والثقافية. الإعلام لم يعد مجرد ناقل للأخبار، بل هو صانع حضور، ووسيط تأثير، في دراسة صادرة عن معهد “Reuters Institute” بجامعة أكسفورد عام 2023، وُجد أن 74% من الإعلاميين الذين يمتلكون شبكات علاقات واسعة وفعّالة تمكنوا من الوصول للمعلومة أسرع من غيرهم، وكان محتواهم أكثر ثقة وانتشارًا. 

تشير بيانات هيئة الإعلام المرئي والمسموع التابعة لوزارة الإعلام إلى أن 61% من الإعلاميين المحليين يعتمدون على حضور الفعاليات لبناء شبكات مهنية تُثري محتواهم وتعزز من مصداقيتهم؛ فالحضور هو بوابة التأثير، ولا يمكن للإعلامي أن يكون ناجحًا وهو بعيد عن الناس وهمومهم وسياقاتهم.

السلاح الثاني هو الحسّ الإعلامي، وهو مهارة تتكون وتتطور بالشغف، فالإعلامي الناجح لا ينتظر القصة، بل يستشعرها، يتلمسها، ويراها حيث لا يراها الآخرون، هو من يرى في الموقف العادي مادة خبرية، وفي الحكاية اليومية قضية رأي عام، فالإعلامي الألماني الشهير “كلاوس كلينغه” يقول: الحس الإعلامي هو ألا تكتفي بما يقال، بل أن تطرح السؤال الذي لم يُطرح بعد؛ وفي دراسة أجرتها شركة “Nielsen” العالمية لتحليل السلوك الإعلامي عام 2024، تبين أن المحتوى الذي يصدر عن إعلاميين لديهم شغف وتفاعل حقيقي مع قصصهم يحقق تفاعلًا يزيد بنسبة 46% عن المحتوى الروتيني الجامد.

أما السلاح الثالث، فهو الاطلاع المستمر والمتابعة الدقيقة للأحداث، فالإعلامي الناجح لا يعيش على ما يعرفه اليوم، بل على ما يتعلمه كل يوم، فبحسب تقرير منظمة اليونسكو حول مستقبل الإعلام عام 2024، فإن الإعلامي يحتاج لتحديث معرفته بمعدل 3 ساعات قراءة أسبوعيًا على الأقل، لمواكبة تسارع الأحداث والحقائق والتقنيات.

السلاح الرابع يتمثل في المهارات التقنية، فلم يعد الإعلام مقالة تُنشر فقط، أو مقابلة تُذاع، بل هو فن إنتاج بصري بمهارات تحرير رقمي، وبتوظيف للذكاء الاصطناعي، ومعرفة بتحليل البيانات، وسلوك الجمهور؛ فالإعلام الرقمي بات هو السائد، وأكثر من 70% من مستخدمي الإنترنت في السعودية (بحسب تقرير هيئة الاتصالات 2024) يعتمدون على الشبكات الاجتماعية كمصدر أول للأخبار، ومن دون مهارات في التصوير، التصميم، المونتاج، والتعامل مع منصات النشر، يبقى الإعلامي أسيرًا لأفكاره دون قدرة على إيصالها. 

الإعلامي الناجح اليوم لا يحتاج فقط أن يقول شيئًا مهمًا، بل أن يقوله بشكل جذاب، تفاعلي، وبتقنيات معاصرة، فشركة “HubSpot” الأمريكية المتخصصة في تحليل التسويق الرقمي أشارت في تقرير حديث إلى أن المنشورات التي تتضمن عناصر مرئية متقنة تحقق تفاعلًا أكثر بنسبة 94% من المنشورات النصية فقط.

وأخيرًا، فإن السلاح الخامس، وهو ما لا يُشترى ولا يُعلّم بسهولة الكاريزما الإعلامية، تلك القوة الناعمة التي تجعل من الإعلامي حضورًا لا يُنسى، وحديثًا يُتداول، وصوتًا ينتظره الناس، الكاريزما ليست فقط في نبرة الصوت أو ترتيب الكلمات، بل في صدق المشاعر، ووضوح الرسالة، وقدرة الشخص على أن يكون هو ذاته أمام الناس دون تصنع. 

دراسة أعدها معهد “Harvard Kennedy School” عام 2023 أكدت أن الإعلاميين الذين يظهرون بشخصياتهم الحقيقية ويُبدون تعاطفًا حقيقيًا مع قضايا الناس يحظون بنسبة متابعة تتجاوز 35% أكثر من أولئك الذين يتعاملون مع الظهور الإعلامي كمهمة تقنية باردة.

خلاصة القول، الإعلامي الناجح لا يُقاس بعدد البرامج أو ساعات البث أو المقالات المنشورة فقط، بل بما يملكه من أدوات حقيقية للتأثير. وهي ليست أشياء تُكتسب دفعة واحدة، بل تُبنى وتتراكم عبر التجربة والعلاقات، عبر الحس والمعرفة، وعبر التفاعل والتقنية، وعبر الحضور والكاريزما. إنها منظومة متكاملة، إن غاب أحد عناصرها، اختل التوازن.

وفي زمن السرعة، وضجيج المحتوى، وازدحام المنصات، لم يعد يكفي أن يكون للإعلامي صوت، بل يجب أن يكون له صدى، والسلاح الحقيقي الذي يجعله مؤثرًا هو ما يحمله من قيم، وشغف، ومعرفة، وحضور، وليس فقط ما يحمله من أدوات.

الاسلحة الخمسة للإعلامي الناجح